الموظف المتميز

الموظف المتميز

\nبقلم: د. زكريا خنجي\n\nيتوقع الموظف في لوصول إلى مناصب أفضل بكثير مما يكون عليه في هذه اللحظة، فمنا من يريد أن يكون مشرفًا لوحدة، ومنا من يريد أن يكون رئيسًا لقسم، وربما تتزايد طموحاتنا فتصل إلى الرغبة وصولنا إلى منصب مدير وما إلى ذلك.\nوليس مستبعدًا وصولنا إلى كل تلك المناصب ولكن كما يقول العرب (وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا)، وهذا يعني أن وصولنا إلى كل تلك المناصب يتم بالاجتهاد في العمل بل والتميز فيه. ونعتقد كما يعتقد غيرنا أن النجاح ليس نهاية مطاف الإنسان، وإنما التميز في النجاح هي القضية التي تستحق أن يبذل في سبيلها الإنسان كل جهده، فالنجاح يصنع في نفسك الرضا بما فعلت وأما التميز فإنه يصنع منك نجمًا بين أقرانك.\n\nوقع أمامي ذات يوم هذا الحادث وجرى هذا الحوار وأنا اسمع، كان هناك مريض يقف أمام مكتب الاستقبال في أحد المستشفيات الخاصة، وقف فترة ينتظر وموظف الاستقبال يلعب ويتكلم في التليفون، فما كان من المريض إلا أن يقول بعد طول انتظار: السلام عليكم ورحمة الله، لو سمحت.\nالموظف: وعليكم،\nالمريض: لو تكرمت ممكن..؟\nالموظف (يقاطعه): انتظر (ثم يرفع سماعة الهاتف ويبدأ بإجراء اتصال هاتفي) أف.. أف الخط مشغول.\nالمريض: لو تكرمت ممكن..؟\nالموظف: قلت لك انتظر، ألا تفهم؟\nالمريض: يا أخي لا يصح ذلك الذي تعمله.\nالموظف: ومن أنت حتى تعلمني الصحيح؟\nالمريض: أنت تعمل هنا لخدمتي وليس لإجراء مكالماتك الخاصة.\nالموظف: أنا أعمل هنا على قدر ما يعطيني المستشفى من راتب.\nالمريض: وما علاقة راتبك بخدمتي؟\nالموظف: راتبي مائة دينار في الشهر، وعلى قدر ذلك أخدم المستشفى وعملاءه.\nوما كان من المريض إلا أن يغادر المستشفى ويبحث عن مكان آخر يلجأ إليه.\nفهل مثل هذا الموظف سينجح حتى يصل إلى درجة التميز ؟ مثل هذا الموظف تزخر به لا بل وتضج به مؤسساتنا العامة والخاصة، وعلى الرغم من ذلك فإن مثل هذا الموظف يطالب في نهاية كل سنة ببعض الامتيازات شأنه شأن زميله المجتهد، وإن لم يحصل على ما يريد فإنه تذمر ويتكلم عن الاضطهاد والتفرقة وما إلى ذلك.\nوفي الحقيقة كلنا نطمح لبلوغ مرتبة التميز والنجومية في وظائفنا، فكيف السبيل إلى ذلك ؟ ومرة أخرى نقول إنه ليس لدينا عصا سحرية ولا البساط السحري الذي يمكن للموظف أن يعتليه لبلوغ تلك المراتب، ولكن إن رغب في ذلك فعليه أن يجتهد ويشمر ساعدي الجد، لا أن ينام ويطلب المعالي وهو نائم، ويمكن اتباع بعض النقاط التالية التي قد ترشده إلى مراكز التميز وهي:\n\n\n1ـ راقب الله واتقه قبل أن تراقب مديرك وتخاف منه: فالخوف من الله سبحانه وتعالي يزرع في نفسك نيل الرضا، وبالتالي تحسين أخلاقك وعملك وحياتك.\n2ـ التزم بالتعليمات وتابع إجراءات العمل دون كسل: لكل عمل تعليمات ومواثيق وإجراءات وخطوات معينة، حاول أن تلتزم بها بقدر استطاعت، فإن فعلت فإن عادة ما تكون قد التزمت الجادة، ولكن لا تكون بيروقراطيًا كما يقال وإنما يفضل دائمًا أن تكون مرنًا على الرغم من التزامك بكل تلك الأنظمة.\n3ـ حافظ على ملفاتك ومستنداتك منظمة وابق مكتبك مرتبًا: الترتيب والنظام في كل أمور حياتك وسيلة وأسلوب نجاح وتميز، فلا ترمِ الأوراق المهمة في أي مكان فربما تحتاج إليها في أي لحظة أو يحتاج إليها مسئولك في أي لحظة، فإن كنت منظمًا فإنك ستقول له ببساطة «ثوان وتكون عندك»، ولكن ماذا تفعل وماذا ستقول لو لم تكن منظمًا ولا تدري أين وضعت تلك الورقة المطلوبة؟\n4ـ نوّع اهتماماتك وقراءاتك لإثراء حديثك وأطروحاتك: نحن شعب كلف بالقراءة وتوسيع مداركنا إلا أننا وللأسف لا نقرأ، ونعتبر القراءة عملية شاقة جدًا، وفي واحدة من الدورات التدريبية عندما كنا نتكلم عن القراءة قالت لي إحداهن: «تصور.. حاولت القراءة من خمس سنوات، وفتحت الرواية ولكن حتى اليوم لم استطع الانتهاء منها»، تصورا خمس سنوات والكتاب مركون على الطاولة ولم يفتح!\n5ـ الثقة بالنفس، فأنت تمتلك مواهب وقدرات؛ فاحذر من الاستخفاف بذاتك: إن الله تعالي خلق لكل كائن حي مهمة وميزة وأهمية، فلم يأت أحد أو شيء إلى الدنيا إلا وله أهمية، حتى إن لم يكن يدركها هو، ولكن ليكن لديك يقين أنك مهم في مكان ما وفي شيء ما، فما عليك إلا أن تكتشف نفسك.\n6ـ احترم مواعيدك ولا تتأخر عن العمل دون سبب أو عذر مقبول: عندما تعطي موعدًا – كإنجاز مهمة لمراجع أو زبون – فلا تسوف وتتخذ لنفسك أعذارًا، وإنما حاول أن تنجز عملك، ولا تكون مثل «عرقوب» الذي يضرب به المثل في عدم الوفاء بالعهد.\n7ـ اعتمد على ذاتك وزد من حماسك وطور قدرتك على المبادرة: على الموظف وعلى الإنسان أن يعتمد على نفسه في كل الأمور وذلك اتباعًا للمثل العربي « ما حك جلدك مثل ظفرك»، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن تغلق الأبواب على نفسك وتجلس وحيدًا وتبكي من غير أن تطلب العون من الآخرين وخاصة من الأشخاص القريبين لك، ولكن تأكد أنه لا أحد سيمد لك يد العون لفتح أبواب النجاح لك، وإنما يجب أن تحث نفسك وتعلمها بأنه يجب أن تفتح أبواب نجاحك بنفسك وتنطلق فيها، وأقصى ما يمكن أن يفعله المحب لك أن يشير إلى أبواب النجاح ويقول لك «تلك هي الأبواب فقم وافتحها وانطلق».\n8ـ فكر بإيجابية في كل المواقف: الإيجابية مطلوبة دائمًا، فلا تفرط في هذا النوع من التفكير إن كنت ترغب في التميز.\n9ـ الاعتزاز بالمهنة وحبّ العمل، فمن أحب شيئًا، أخلص له.\n10ـ الإحساس بالرضا عن العمل: كثير منا لا يشعر بالرضا عن العمل الذي يقوم به، وهذا أمر جيد إن كنا نتحدث عن عمل لا يعادل مستوى تفكيرنا وجهدنا، وعليه فإنه يجب أن نبحث عن عمل يرتقي بنا ونرتقي به، لا أن نجلس ونندب على أنفسنا ونبكي ولا نحرك ساكنا.\n11ـ حسن الاستماع والإصغاء للزملاء والمراجعين: يجب أن نتحلى بثقافة الإصغاء لكل من حولنا، فإن هذه السمة ستؤهلنا ليس للنجاح فحسب وإنما للتميز.\n12ـ الفهم الصحيح للمهنة: فلا تذهب إلى عمل جديد إلا بعد أن تعرف كل ما يمكن معرفته عنه، الكثير منا يعمل لأجل الراتب، وهذا حق، ولكن لماذا لا نأخذ مع الراتب أفكارا جديدة وسعة أفق في التفكير وعلما نافع، هل هذا صعب ؟ العمل يمكن أن يعلمنا الكثير إن رغبنا في ذلك.\n13ـ تجنب مصادر القلق والصراع: عادة ما يحدث خلاف في العمل بين فلان وفلان، فلا تأخذ موقف من فلانا لأنه تنازع مع صديقك، وإنما حاول أن تكون حياديًا بقدر الإمكان، كما أن على الموظف الذي يسعى للتميز وألا يثير النزاعات والجدل الطائفي أو العرقي بين الموظفين والعاملين فإن ذلك سيجعله تحت علامة استفهام كبيرة.\n14ـ احترم القيم وعادات المجتمع والمؤسسة التي يعمل بها: من لا يحترم قيم وعادات المجتمع الذي يعيش فيه، فلا يُحترم، وكذلك فإن لكل مؤسسة عادات وقيما فحاول أن تحترمها، وإن لم تكن مقتنعًا بها.\n15ـ احترم الجمهور وقدّم كل خدمة ممكنة: إن كان عملك – أيها الموظف – يعني بتقديم الخدمات للجمهور الخارجي فلا تتوان عن ذلك، فهذا الجمهور هو الذي يقدم راتبك وهو الذي يجعل من المؤسسة التي تعمل فيها مؤسسة جيدة، فإن أسأت أنت فإن المؤسسة كلها تعدّ مسيئة.\n16ـ القدرة على تحمل مشاكل العمل: قد يحتاج عملك – في بعض الأحيان – بذل جهد إضافي فلا تتوان في ذلك، ولا تتذمر، ولا تقل إني أقوم بعملي بقدر الراتب الذي يعطى لي، وإنما يجب أن تعمل وأن تتحمل مشاكل العمل مهما كانت، فإن هذا يميزك.\n17ـ القدرة على معالجة الأمور بحكمة وحنكة: الكثير منا يغضب ويتذمر بسبب ومن غير سبب فلا تكون منهم، وإنما إن حدث فعل لا ترغب فيه فلا تغضب وإنما حاول ان تكون حكيمًا في مثل هذه الأمور، وبقدر الإمكان.\n18ـ تنمية روح الانتماء للمؤسسة وحب العمل: الانتماء للمؤسسة التي تعمل بها هي الروح التي تعطيك الإحساس بالرضا الوظيفي فلا تفرط في هذا الانتماء فتفقد روح العمل.\n19ـ التعامل مع الرؤساء والزملاء أيًا كان مركزهم بطريقة مهذبة لبقة وحسنة.\n20ـ امتلاك الدافع الداخلي أو الذاتي: لا تنتظر في كل عمل تقوم به الشكر والإحسان، وإنما اجعل المكافآت والهبات ورسائل الشكر مجرد أمور عادية إن جاءت فهي حسنة ومرغوبة، ولكن إن لم تأتِ ففي داخلك مولد يمكن أن يولد فيك وفي غيرك روح العمل.\n21ـ المبادرة إلى العمل والتطوير: حتى لو لم يطلب منك تطوير العمل فيمكن أن تقدم مقترحات إن كانت لديك مقترحات، قدمها واكتبها على ورق واحتفظ بنسخة منها عندك، فإن لم تنفذ اليوم فربما تنفذ غدًا.\n22ـ الحرص على كتم أسرار العمل: لا تنقل أسرار العمل إلى خارج أسوار العمل، فإن ذلك ليس من أخلاقيات العمل الحسنة.\n23ـ الصدق مع النفس والآخرين: مهما أمكنك أن تكذب على الآخرين فإنه من المستحيل أن تكذب على نفسك، لذلك وفي المقابل حاول ألا تكذب على الآخرين حتى تنال رضا نفسك عن نفسك.\n24ـ المظهر المناسب للعمل: لا تذهب إلى العمل بملابس لا تليق، احتفظ بشكلك وهيئتك وملابسك نظيفة، فلا أحد يريد أن يرى كآبتك وحزنك، واستحم وكن نظيفًا، فإن النظافة رديفة للإسلام.\n25ـ المؤهلات العلمية المناسبة: يفضل دائمًا أن تكون مؤهلاً، وإن لم تكن فلا تسخر منهم ولا تقل «إنهم لا يعرفون شيئا وأنا أفضل منهم»، حتى لو كانت خبرتك تفوقهم، فالمؤهلات سلاح وأدوات يمكن استخدامها في شق الطرق الوعرة.\n26ـ الاجتهاد: عشرات بل آلاف المرات يمكن أن نقولها: اجتهد، فالسماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، يجب أن تتعب وتجتهد حتى تصل إلى مرادك.\n27ـ الحس الوطني: يجب أن تفتخر انك مواطن في هذا البلد، فوطنك هو الذي يكرمك، فلا تعتقد انه عندما تهاجر إلى بلد آخر سيتم تكريمك حتى لو غلّف كل الكلام بورق السلوفان، فلا كرامة لإنسان إلا في وطنه.\n\nعمومًا، هذه بعض الوسائل التي لو أخذ بها الموظف، فإنها ستوصله إلى مرحلة التميز لو رغب هو بذلك، وهذا يتوقف دائمًا على النفس البشرية.

منذ 9 سنوات
386
15